السلطات في أي دولة تتكون بشكل أساسي من ثلاث سلطات لكل منها مجالها واختصاصها , السلطة التنفيذية ، السلطة النيابية "التشريعية" ، والسلطة القضائية . وبالتالي فإن السلطة المطلقة تقيد عن طريق آلية فصل السلطات ، وذلك بأن لا يكون الرئيس أو الأمير أو الملك جامع بين السلطات الثلاث, وإنما يقتصر سلطانه على "السلطة التنفيذية" , فيما السلطة النيابية "التشريعية" يقوم بها نواب أو ممثلون منتخبون انتخابا مباشرا من الشعب , بحيث أن عملية الانتخاب والتمثيل تقدم التفويض والشرعية للسلطة النيابية "التشريعية" للقيام بمهام اتخاذ القرارات وإصدار القوانين في كافة المجالات , وذلك وفقا لمصادر وأحكام الدستور, والذي في الإسلام يشكل القرآن والسنة المصادر الأساسية له , و التي لها الأولوية في الاعتماد والاستناد إليها في سن القوانين والتشريعات والتنظيمات وذلك بالانسجام مع تلك الأحكام القطعية الواردة في القرآن والسنه. إضافة إلى سلطه نيابيه (مجلس شورى منتخب)انتخابا شعبيا على فترات دوريه كل أربع سنوات إلى خمس, مثلا هناك أيضا انتخابات مباشره ودوريه لمجلس الحكم المحلي والبلدية على مستوى المناطق والولايات الاداريه . في موازاة ذلك تكون السلطة القضائية (المحاكم ) ذات استقلاليه عن تدخلات السلطه التنفيذيه او النيابيه ، وتحتاج تلك الاستقلاليه لكي يشاراليها بالبنان إلى توفر معايير استقلال القضاء ومنها قرار نظريه الحقوق الاساسيه للمواطنين ومدونه معلنه محدده لاحكام التعزير, استقلال مالي للقضاة , عدم تدخل السلطه التنفيذيه بالاحكام , اشراف السلطه القضائيه على تنفيذ الاحكام , اشراف السلطه القضائيه على السجون والمعتقلين والمتهمين , توحيد المحاكم , وجود محكمه عليا دستوريه شرعيه للفصل في القرارات ومدى مشروعيتها ودستوريتها .(2) , وان تكون تلك العناصر منصوصا عليها في الدستور وكذلك مطبقه فعليا بالممارسه.
واستقلال القضاء المقصود به هنا ، ليس نزاهه واستقلال القضاة انفسهم ،فذلك وان كان امرا مطلوباً ومحموداً , فان المقصود باستقلال القضاء وتعزيزه هو استقلال مؤسساتي (القضاء كمؤسسه وليس كقضاة) . ومع ذلك فان استقلال القضاء لا يعني عدم امكانيه محاسبه القضاة في حاله التعسف او ارتكاب أخطاء ، بل ان ذلك لابد من وجود آليه للمحاسبه عن طريق محاكم قضائيه خاصه , مثلا باشراف من المحكمه العليا الدستوريه الشرعيه .
ان آليه فصل السلطات تلك تتضمن امكانيه وآليه موازيه لها وهي الرقابه والمحاسبه بين السلطات وتجاه بعضها البعض . فالمحكمه العليا الدستوريه الشرعيه وهي جزء من السلطه القضائيه يمكنها ان تلغي قررات وقوانين وتشريعات "السلطه النيابيه " "التشريعيه " , اذا وجدت بنفسها , أوجهة ما رفعت اليها , بان تلك القوانين والقرارات مخالفه لاحكام الدستور, اواحكام مصادره الاساسيه , مثلا اذا تعارضت مع احكام الشريعه الاسلاميه (آلقران والسنه ) .
ايضا في التوازي , تستطيع السلطه النيابيه (التشريعيه ) ان تخضع السلطه التنفيذيه او احد مسؤليها "الوزراء مثلا" للمحاسبه , وكذلك مراجعه ميزانيه الدوله والمال العام والمصادقه عليها ، وكذلك على التعيينات ، وكذلك بالموافقه اوعدم الموافقه السياسيه الخارجيه أوبعضها مثلا على الاتفاقيات الدوليه , وخاصه منها الامنيه والعسكريه والاقتصاديه والثقافيه .....الخ , وايضا الموافقه على تشكيل الحكومه او حجب الثقه، عنها ، كما هي في بعض نماذج الحكومات او الدول . في المقابل تستطيع السلطه التنفيذيه ورئيسها تحديدا, ملكا او رئيسا أو أميرا , من تقديم مشروعات وقوانين لربما تقرها السلطة النيابية عن طريق مناصريها , او حق الاعتراض على قوانين تصدرها السلطه النيابيه في غضون فتره محدده , وكذلك اصدار بعض القوانين والقرارات من قبل السلطة التنفيذية في فترات محدودة (الاجازات للضرورات ) , مع طلب تصديقها لاحقا, وكذك في بعض الدول الدستورية , تستطيع السلطه التنفيذيه أورئيسها حل السلطة النيابية والدعوة إلى انتخابات جديدة تعاد فيها تشكيل السلطه النيابيه لربما وفق توجهات السلطه التنفيذيه.
ما الذي تعنيه أو تحققه آليه فصل السلطات المنبثقه عن الدستور ؟
إنها تحقق الاتي:
(1) محاصرة الاستبداد وتقييده والوصول الى السلطه أوالحكومه المقيدة , وبالتالي إزالة القمع والقهر او الحد منهما الى اكبر درجه ممكنه , عن طريق السلطه النيابيه, الشورى المنتخبه والملزمه , شعبيا ودوريا (فترات محدده ) , وكذلك انتخابات مباشره ودوريه لمجالس الحكم المحلي والبلديات لتصبح المشاركه الشعبيه امرا واقعا ويصبح المواطن جزء من العمليه السياسيه ومساهما فاعلا في اتخاذ القرارات , على مستوى هياكل السلطه المركزيه (السلطه النيابيه ) أو(مجلس الشورى المنتخب الملزم) , او على مستوى السلطات المحليه مجالس الحكم المحلي والبلديات , وهنا يجمع بين حريه وحق المشاركه وتحمل المسؤلية على مثل القرارات والسياسات المتخذه , وهو ما يعني ويساهم في نفس الوقت بالغاء او تقليص الاستبداد ، ويقيد السلطه المطلقه , وفي مقابل ذلك يتم تحقيق الحقوق والحريات ويزداد هامشها .
2) اضافه الى ذلك فان المشاركه الشعبيه المباشره تلك , سواء بالانتخابات , أو بالتصويت , او بالدخول للمجلس , بما يعنيه من تفويض شعبي للسلطه النيابيه (الشورى المنتخبه الملزمه ) وباعتبار ان الشعب مصدر السلطات ، فان مسأله وقضيه العدل والعداله الاجتماعيه من توزيع الثروه والمال والفرص المتكافئه والمساواه القانونيه والمواطنه , والتنميه بما يحقق تقدم كرامه الانسان والمواطن , في كافه المجالات دون تمييز في كافه المناطق , تصبح هي النتيجه المطلوبه الثانيه (العداله ) بعد أو مع الحرية .
3) إضافة إلى ذلك، فان استقلال القضاء وتأكيده , عن طريق تلك الآلية الدستوريه سيضمن حقوق المواطن , سواء فيما بينهم أو اتجاه الدوله , وكذلك ضمان مسألة المساواة والعدالة بين المواطنين في التقاضي والترافع وتطبيق الاحكام .
اضافه الى تحقيق العداله والحريه , من خلال آليه فصل السلطات والمراقبه , وبالتالي الوصول الى فكره "السلطه المقيده " , والتي تعبر عن المعاني الاساسيه والكبرى للمفهوم الحديث للدستور, فان عناصر ومحاور أي (دستور ) لابد ان يتضمن اساسا الاقرار بالحقوق والحريات الاساسيه والعامه (حقوق الانسان ) للمواطن , باعتبارها منظومه متكامله من الحقوق والحريات اللصيقه بالمكونات والفطره الانسانيه وايضا في اساس العلاقات الاجتماعيه . وتلك الحقوق والحريات الاساسيه العامه ابرزها الاسلام في القرآن والسنه وكذلك في الممارسات الاسلاميه , مثل "الحريه" وخاصه بعض رموزها وخلفاءها , كمقوله لعمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا" . تلك الفكره التي للأسف لم تتبلور الا مع الطرح الفلسفي الاوروبي وخاصه مع مقولات ( العقد الاجتماعي ) للمفكر الفرنسي جان جاك رسو, كذلك فان المواثيق الدوليه كالميثاق الدولي لحقوق الانسان الصادرعن الامم المتحده 1948وكذلك العهديين الدوليين عن الحقوق المدنيه والسياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه ...الخ , قد اقرتها اغلب الدول بما فيها الدول العربيه ومنها السعوديه ، رغم بعض التحفظات على ما ورد فيها